خطبة بعنوان: المدوامة والثبات على الطاعة سبيل لحسن الخاتمة، للدكتور خالد بدير بتاريخ، 3 شوال 1437هـ – 8 يوليو 2016م
خطبة بعنوان: المدوامة والثبات على الطاعة سبيل لحسن الخاتمة، للدكتور خالد بدير بتاريخ، 3 شوال 1437هـ – 8 يوليو 2016م.
لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا
لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا
ولقراءة الخطبة كما يلي:
عناصر الخطبة:
العنصر الأول: المداومة والثبات على الطاعة بعد رمضان.
العنصر الثاني: شهادة الأرض لكل من يسجد عليها
العنصر الثالث: الأعمال بالخواتيم
العنصر الرابع: قصص حسن وسوء الخاتمة
العنصر الخامس: أسباب حسن وسوء الخاتمة
المقدمة: أما بعد:
العنصر الأول: المداومة والثبات على الطاعة بعد رمضان.
عباد الله: إن المداومة على الطاعة وعدم الرجوع إلى المعصية بعد رمضان علامة كبرى على قبول العمل؛ أما إن قطعت عهداً على نفسك بالتغيير والتوبة من جميع الذنوب والمعاصي التي كنت تفعلها قبل رمضان، وبفضل الله حالك تغير في رمضان، فلو عدت إلي ما كنت عليه قبل رمضان من المعاصي فاعلم أن عملك ليس مقبولاً عند الله. قال يحيي بن معاذ : ” من استغفر بلسانه وقلبه على المعصية معقود، وعزمه أن يرجع إلي الذنب ويعود، فعمله عليه مردود، وباب القبول في وجهه مسدود ” .
إن كثيراً من الناس يتوب وهو دائم القول: إنني أعلم بأني سأعود.. لا تقل مثله.. ولكن قل : إن شاء الله لن أعود ” تحقيقاً لا تعليقاً”.. واستعن بالله واعزم على عدم العودة..، لقد كانت محطة مؤقتة ثم رجعوا إلى ما كانوا فيه، هل هذه النفسية السيئة عبدت الله حق عبادته؟هل وفت حق الله هل أطاعت الله أصلاً؟ هذه مصيبة كبيرة أن يعود شراب الخمر إلى خمورهم، ومتعاطي المخدرات إلى مخدراتهم، وأصحاب الزنا إلى أوكارهم، وأصحاب الربا إلى الربا، وأصحاب الفسق ومجالس اللغو إلى اللغو، هذه مصيبة والله كارثة دخلوا بالمعاصي وخرجوا بالمعاصي ما استفادوا شيئاً أبداً، قال الحسن البصرى: “إن من جزاء الحسنة الحسنة بعدها، ومن عقوبة السيئة السيئةُ بعدها، فإذا قبل الله العبد فإنه يوفقه إلى الطاعة، ويصرفه عن المعصية، وقد قال الحسن: “يا ابن آدم إن لم تكن فى زيادة فأنت فى نقصان”.
لقد زيل الله آيات الصيام بالشكر، قال تعالى : { وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }.( البقرة: 185) قال العلماء : ” شُكر الطاعة طاعة مثلها ” ، فشكر الصيام صيام مثله وهكذا ، بمعنى أنك صمت شهر رمضان والصيام لم ينته بعد، فهناك ست من شوال، والاثنين والخميس وغيرها، ولذلك هناك فرق بين الشكر والحمد ، فالحمد باللسان والشكر بالعمل ، قال تعالى : { اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ }.( سبأ : 13)، فالشكر يكون من جنس النعمة التي أنعم الله بها عليك، فإذا تكاسل العبد عن الطاعة فهذا يكون دليل على عدم قبول العمل عند الله، وإذا داوم عليها وثبتها فهذا دليل على قبولها عند الله، وكان هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- المداومة على الأعمال الصالحة، فعن عائشة- رضي الله عنها – قالت: “كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا عمل عملاً أثبته.” (رواه مسلم)، وأحب الأعمال إلى الله وإلى رسوله أدومها وإن قلَّت، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ” أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل.”( متفق عليه)، وقَالَت عَائِشَةَ – رضي الله عنها -: ” كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً “( البخاري ومسلم.) ، فما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل، وبشرى لمن داوم على عمل صالح، ثم انقطع عنه بسبب مرض أو سفر أو نوم كتب له أجر ذلك العمل. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ” إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً “( رواه البخاري)، وهذا في حق من كان يعمل طاعة فحصل له ما يمنعه منها، وكانت نيته أن يداوم عليها.
العنصر الثاني: شهادة الأرض لكل من يسجد عليها
عباد الله: كثير من الناس – للأسف – إذا انقضى رمضان قطع العبادة من صلاة وصيام وقيام وقراءة قرآن وغير ذلك؛ وهؤلاء عبَّاد رمضان لا عبَّاد الرحمن؛ وإن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعبده على طول الدوام حتى الموت؛ قال تعالى: { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} (الحجر: 99) . يقول الإمام ابن كثير في تفسيره: ” يستدل من هذه الآية الكريمة على أن العبادة كالصلاة ونحوها واجبة على الإنسان ما دام عقله ثابتا فيصلي بحسب حاله، كما ثبت في صحيح البخاري، عن عمران بن حصين، رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “صَلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جَنْب” ؛ وأن الأنبياء، عليهم السلام، كانوا هم وأصحابهم أعبد الناس وأكثر الناس عبادة ومواظبة على فعل الخيرات إلى حين الوفاة. والمراد باليقين هاهنا الموت.” أ.ه بتصرف.
أيها المسلمون: إن كل مكان من الأرض سجدتم لله فيه سجدة في رمضان وفي غيره سيشهد لكم أمام الله يوم القيامة؛ قال تعالى: { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } [ الزلزلة: 4 ]؛ فعن أَبي هريرة – رضي الله عنه -: قرأ رَسُول الله – صلى الله عليه وسلم -: { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } [ الزلزلة: 4 ] ثُمَّ قَالَ: ” أتَدْرونَ مَا أخْبَارهَا؟ قالوا: الله وَرَسُولُهُ أعْلَمُ. قَالَ: ” فإنَّ أخْبَارَهَا أنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلّ عَبْدٍ أَوْ أمَةٍ بما عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا تَقُولُ: عَملْتَ كَذَا وكَذَا في يَومِ كَذَا وكَذَا فَهذِهِ أخْبَارُهَا”. (الترمذي، وَقالَ: حديث حسن صحيح).
نعم ستتكلم الأرض بأمر من الله ستقول: فلان شرب الخمر مع فلان، فلان ذهب إلى الفجور والزنا، فلان لم يعمل في عمله بأمانة، فلان سرق من أموال الناس، فلان غش في بيعه، فلان ظلم، ستشهد عليك يا ابن ادم، ستشهد على كل معصية فعلتها عليها، وستشهد كذلك لأهل الخير بالخير ستقول: فلان سجد عليّ وبكى، فلان تلا كتاب الله، فلان سعى إلى المساجد، فلان نصر مظلوما، فلان تصدق على الفقراء… فلان عبد الله وصلى..ستشهد لأهل الطاعات بطاعاتهم، ولذلك اسمعوا إلى وصية أبي الدرداء الصحابي الجليل وهو يقول: ” اذكروا الله عند كل حُجيرة وشجيرة لعلها تأتي يوم القيامة تشهد لكم “، وهذا ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: ” من سجد في موضع عند شجر أو حجر شهد له يوم القيامة عند الله”. وقال عطاء الخراساني: ” ما من عبد يسجد لله سجدة في بقعة من بقاع الأرض إلا شهدت له بها يوم القيامة، وبكت عليه يوم يموت “.
وعن الحكم رضي الله عنه قال: ” رأيت أبا أُميَّة صلَّى في المسجد الحرام الصَّلاة المكتوبة، ثمَّ تقدَّم فجعل يصلِّي هَهُنا وهَهُنا، فلما فرغ قلت له: ما هذا الَّذي رأيتك تصنع؟ قال: قرأت هذه الآية { يومئذٍ تُحَدِّثُ أخبارَها } فأردت أن تشهد لي يوم القيامة “..هذا درس من أبي أُميَّة لكل المسلمين: لا تصلوا في مكان واحد بل غيروا أماكن الصلاة والعبادة كي تشهد لكم يوم القيامة، نحن نشاهد اليوم الكثير من المسلمين وخاصة الكبار من يأتي إلى المسجد ولا يصلي إلا في مكان واحد وكأنه قد اشتراه فلا يرضى لأحد أن يصلي فيه بل هو مكانه الذي يعرفه المصلون.
فداوموا على الصلاة والسجود؛ وحافظوا عليها على طول الدوام …فطوبى لمن شهد له المكان بالذكر والتلاوة والصلاة ونحوها؛ وويل لمن شهد عليه بالزنا وشرب الخمر والسرقة والظلم.
أيها المسلمون: إن من ترك الصلاة والعبادة بعد رمضان فإن الأرض بما حوت تلعنه وتديم اللعنة عليه؛ وقد جاء في الأثر أن تارك الصلاة تلعنه اللقمة التي يأكلها والشربة التي يشربها فتقول: لعنك الله تأكل من رزق الله ولا تؤدي حق الله ؛ تارك الصلاة تلعنه الكائنات، والعجماوات، تتضرر النملة في جحرها من تارك الصلاة، وتلعنه الحيتان في الماء لأنه ترك الصلاة.
تارك الصلاة تلعنه الصلاة نفسها :
يـا تـاركـاً لـصلاتـه ………………….إن الـصلاة لـتشتـكي
وتـقول فـي أوقـاتها ………………..الله يـلعـن تـاركـي!!!!!
فهل تحب أن تشهد لك الأرض بالخير؟!! أم تحب أن تلعنك وتشهد عليك أمام الله؟!!
العنصر الثالث: الأعمال بالخواتيم
عباد الله: إن الإنسان في هذه الدنيا يخلط بين الأعمال الصالحة والطالحة؛ ولكن العبرة بالخواتيم؛ ولأهمية الخواتيم عنوَنَ لها الإمام البخاري باباً في صحيحه فقال: ( باب الأعمال بالخواتيم وما يخاف منها ) ؛ وذكر فيها حديثاً لرجلٍ قاتل في أرض المعركة؛ وكانت رقاب الأعداء تتطاير تحت سيفه؛ ومع ذلك ختم الله له بسوء؛ ومات منتحراً لأنه جُرِحَ ولم يصبر على الجرح؛ فقتل نفسهّ!! فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: نَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رَجُلٍ يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ الْمُسْلِمِينَ غَنَاءً عَنْهُمْ؛ فَقَالَ:” مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا”؛ فَتَبِعَهُ رَجُلٌ فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى جُرِحَ فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ؛ فَقَالَ بِذُبَابَةِ سَيْفِهِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ فَتَحَامَلَ عَلَيْهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” إِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ وَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؛ وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا”(البخاري)
وقد نبهنا صلى الله عليه وسلم إلى أهمية حسن الخاتمة والحرص عليها فقال: ” إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا ؛ وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا.”(متفق عليه)
وقد يقول قائل كيف أموت على طاعة؟!! والجواب في حكمة أبي حازم سلمة بن دينار: كل ما لو جاءك الموت عليه فرأيته خيراً فالزمه ، وكل ما لو جاءك الموت عليه فرأيته شراً فاجتنبه. أي: إذا أردت أن تموت على طاعة فالزمها؛ وإن كرهت الموت على معصية فاتركها!!!
أحبتي في الله: إن الإنسان لو عاش على الطاعة وداوم عليها فإن الله الكريم يستحي أن يقبضه على معصية. قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} أي: ” حافظوا على الإسلام في حال صحتكم وسلامتكم لتموتوا عليه، فإن الكريم قد أجرى عادته بكرمه أنه من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بُعث عليه، فعياذًا بالله من خلاف ذلك.”
فالإنسان الذي يداوم على الطاعة وأصبحت سجيةً له يستعمله الله – عز وجل- في عمل الخير عند خاتمته؛ بل ويعسله كما جاء في الحديث؛ فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ:”إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَّلَهُ”، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، وَمَا عَسَّلَهُ؟ قَالَ:”يُفْتَحُ لَهُ عَمَلا صَالِحًا، ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ”. ( أحمد والحاكم والطبراني واللفظ له)؛ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :”إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ؛ فَقِيلَ: كَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ الْمَوْتِ”( أحمد والحاكم والطبراني والترمذي واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح)
العنصر الرابع: قصص حسن وسوء الخاتمة
أحبتي في الله: تعالوا لنقف مع حضراتكم في هذا العنصر مع صور حسن وسوء الخاتمة؛ لنأخذ منها العظة والعبرة ترغيباً وترهيباً ؛ ليعيش الإنسان بين الرجاء والخوف:
قصص حسن الخاتمة:
– مات ملبيا ويبعث ملبياً : عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ إِذْ وَقَعَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَأَقْصَعَتْهُ أَوْ قَالَ فَأَقْعَصَتْهُ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ وَلَا تُحَنِّطُوهُ وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا” ( متفق عليه )
– مات وهو ساجد: روي أن عامر بن عبد الله رجل من الصالحين، كان مؤذناً في أحد المساجد، وكان منزله قريباً من المسجد الذي كان يؤذن فيه، فمرض ذات يوم مرضاً أقعده عن الصلاة أياماً، فجاء إليه أصحابه لزيارته فسمع المؤذن يؤذن فقال لأصحابه: خذوني إلى المسجد، فقالوا: لقد أعذرك الله، فقال: سبحان الله، أسمع النداء ولا أجيبه؟ فحملوه إلى المسجد فلما سجد كانت السجدة الأخيرة له ووقع فمات.
ونحن جميعا نعلم أن فضيلة الشيخ كشك – رحمه الله – عرضت عليه المناصب داخل مصر وخارجها فرفضها ودعا الله قائلاً: اللهم أحيني إماما وأمتني إماما واحشرني وأنا ساجد بين يديك يا رب العالمين؛ ومات وهو ساجد !! وأمثلة من ماتوا ساجدين كثيرة وعديدة !!
عباد الله: إن حسن الخاتمة غاية عمل لها العاملون، وتنافس فيها المتنافسون وسعى نحوها الصالحون، من فاز بها فهو أسعد السعداء، ومن حُجبت عنه فهو أشقى الأشقياء.
قصص سوء الخاتمة:
– اشرب أنت ثم اسقني: روي أنه احتضر رجل ممن كان يجالس شرب الخمور، فلما حضره نزع روحه أقبل عليه رجل ممن حوله وقال: قل لا إله إلا الله، فتغير وجهه وتلبد لونه وثقل لسانه، فردد عليه صاحبه: يا فلان قل: لا إله إلا الله، فالتفت إليه وصاح: لا.. اشرب أنت ثم اسقني، ثم ما زال يرددها حتى فاضت روحه.
– مات مخموراً في الحمام: وأذكر لكم قصة واقعية في سوء الخاتمة بشرب الخمر حدثت في أحد المساجد الكبرى بالقاهرة ؛ حدثني بها إمام المسجد قائلا: بعد صلاة العشاء قام العمال بغلق أبواب ونوافذ المسجد؛ ودخل أحدهم الحمامات ليطفئ الأنوار؛ وإذا بأحد الحمامات مغلق من الداخل؛ فطرق الباب فلم يجبه أحد؛ فتسلق أحدهم الجدار ونزل الحمام وإذا بشاب في ريعان شبابه أخذ إبرة مخدرات ( مكس ) في كتفه وكانت الجرعة قوية شديدة عليه فمات في حينها ليلقى الله على هذه الحال!!!! وفرق كبير بين من يلقى الله مخموراً وبين من يلقاه ملبياً !!!
– قلبه معلق بالدنيا: لما نزل بأحدهم الموت واشتد عليه الكرب اجتمع حوله أبناؤه يودّعونه ويقولون له: قل: لا إله إلا الله، فأخذ يشهق ويصيح، فأعادوها عليه، فصاح بهم وقال: الدار الفلانية أصلحوا فيها كذا، والبستان الفلاني ازرعوا فيه كذا، والدكان الفلاني اقبضوا منه كذا، ثم لم يزل يردد ذلك حتى مات.
أحبتي في الله: قد ذكر الإمام ابن القيم عدة مواقف للخواتيم فقال:” أخبرني بعض التجار عن قرابة له أنه احتضر وهو عنده، وجعلوا يلقنونه لا إله إلا الله وهو يقول: هذه القطعة رخيصة، وهذا مشترٍ جيد، هذه كذا، حتى قضى ولم ينطق التوحيد!! وأخبرني من حضر عند وفاة أحد الشحاذين فجعلوا يقولون له: قل لا إله إلا الله؛ فجعل يقول: فلس لله.. فلس لله، حتى ختم بهذه الخاتمة!! وقيل لآخر كان يدمن الغناء: قل لا إله إلا الله، فجعل يهذي بالغناء ويقول: تاننا تنتنا، حتى مات!!! فكيف يوفَّق لحسن الخاتمة من أغفل اللهُ سبحانه قلبَه عن ذكره، واتّبَعَ هواه، وكان أمره فُرُطًا؟ فبعيدٌ من قلبٍ بعيدٍ من الله تعالى، غافلٍ عنه، متعبّدِ لهواه، أسيرٍ لشهواته؛ ولسانٍ يابسٍ من ذكره، وجوارحَ معطّلةٍ من طاعته مشتغلةٍ بمعصيته أن توفَّقَ للخاتمة بالحسنى.؟!! ( الداء والدواء)
عباد الله: هذه رسالة أوجهها لي قبلكم: إذا أردتم حسن الخاتمة فحافظوا على الطاعة والزموها؛ لأنكم ستموتون على ما كنتم تفعلونه وتداومون عليه – خيراً أو شراً – في دنياكم. اللهم بلغت اللهم فاشهد يا رب العالمين !!
العنصر الخامس: أسباب حسن وسوء الخاتمة
أحبتي في الله: تعالوا معنا لنقف في عنصرنا هذا حول الأسباب والعوامل المؤدية إلى حسن الخاتمة حتى نطبق ذلك عمليا في حياتنا اليومية.
أسباب حسن الخاتمة:
هناك عدة أسباب تؤدي إلى حسن الخاتمة:
* من أعظمها: أن يلزم الإنسان طاعة الله: ورأس ذلك وأساسه تحقيق التوحيد، والحذر من ارتكاب المحرمات، والمبادرة إلى التوبة مما تلطخ به المرء منها، وأعظم ذلك الشرك كبيره وصغيره.
ومنها: الاستقامة على الطاعة: قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ } [فصلت: 30]
* ومنها: ملازمة الإيمان والتقوى لله: قال تعالى: { الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ؛ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (يونس: 63 ؛ 64)؛ ” قيل المراد بذلك: بشرى الملائكة للمؤمن عند احتضاره بالجنة والمغفرة كما في حديث البراء: “أن المؤمن إذا حضره الموت، جاءه ملائكة بيض الوجوه، بيض الثياب، فقالوا: اخرجي أيتها الروح الطيبة إلى روح وريحان، ورب غير غضبان. فتخرج من فمه، كما تسيل القطرة من فم السقاء”.(تفسير ابن كثير)؛ وقد أخبرنا الله – عز وجل – أنه يثبت المؤمنين الذين لازموا الإيمان بكلمة التوحيد وحسن الخاتمة؛ قال تعالي: { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} (إبراهيم: 27) . قال الإمام البغوي:” قوله تعالى: { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ } كلمة التوحيد، وهي قول: لا إله إلا الله { فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } يعني قبل الموت، { وَفِي الآخِرَةِ } يعني في القبر. هذا قول أكثر أهل التفسير.”أ.ه
* ومنها: أن يلح المرء في دعاء الله تعالى أن يتوفاه على الإيمان والتقوى: وأفضل الدعاء: اللهم أحيني على الإسلام وتوفني على الإسلام ؛ وألحقني بالصالحين ؛ اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أعمارنا أواخرها، وخير أيامنا يوم نلقاك فيه؛ اللهم اختم بالباقيات الصالحات أعمالنا . وقد بيَّن المولى سبحانه أن حسن الخاتمة كان أمنية ودعاء الأنبياء والمرسلين؛ فمن دعاء سليمان عليه السلام:{ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ } [النمل:19]. وهذا يوسف عليه السلام يدعو بقوله: { تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ } [يوسف:101]. وهذه وصية إبراهيم ويعقوب عليهما السلام لبنيهم :{ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (البقرة: 132)؛ وكان من دعاء الصالحين أن يتوفَّاهم اللهُ تعالى على الإيمان مع الأبرار: { رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ } [آل عمران: 193].
* ومنها: أن يعمل الإنسان جهده وطاقته في إصلاح ظاهره وباطنه: وأن تكون نيته وقصده متوجهة لتحقيق ذلك، فقد جرت سنة الكريم سبحانه أن يوفق طالب الحق إليه، وأن يثبته عليه وأن يختم له به.
أسباب سوء الخاتمة
عباد الله: بعد أن عرفنا أسباب وعوامل حسن الخاتمة؛ نأتي الآن لنعرف أسباب وعوامل سوء الخاتمة حتى نحذر منها :
* فمنها: فساد الاعتقاد: فمن فسدت عقيدته ظهر عليه أثر ذلك حين خروج الروح في وقت هو أحوج إلى العون والتثبيت من الله تعالى.
* ومنها: الإقبال على الدنيا والتعلق به: بحيث تكون الدنيا في قلبه لا في يده .
* ومنها: العدول عن الاستقامة والإعراض عن الخير والهدى.
* ومنها: الإصرار على المعاصي وإلفها: فإن الإنسان إذا ألف شيئا مدة حياته وأحبه وتعلق به، يهوى ذكره إليه عند الموت، ويردده حال الاحتضار في كثير من الأحيان؛ كما رأينا في عنصرنا السابق !! قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: ” إن الذنوب والمعاصي والشهوات تخذل صاحبها عند الموت، مع خذلان الشيطان له، فيجتمع عليه الخذلان مع ضعف الإيمان، فيقع في سوء الخاتمة، قال تعالى: {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} (الفرقان: 29)؛ وسوء الخاتمة – أعاذنا الله منها – لا يقع فيها من صلح ظاهره وباطنه مع الله، وصدق في أقواله وأعماله، فإن هذا لم يسمع به، وإنما يقع سوء الخاتمة لمن فسد باطنه عقدا، وظاهره عملا، ولمن له جرأة على الكبائر، وإقدام على الجرائم ، فربما غلب ذلك عيه حتى ينزل به الموت قبل التوبة.” أ .هـ
أيها المسلمون: لأجل ذلك كان جديرا بالعاقل أن يحذر من تعلق قلبه بشيء من المحرمات، وجديرا به أن يلزم قلبه ولسانه وجوارحه ذكر الله تعالى، وأن يحافظ على طاعة الله حيثما كان، من أجل تلك اللحظة التي إن فاتت وخذل فيها شقي شقاوة الأبد.
الدعاء،،،، وأقم الصلاة،،،،، كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي